الاثنين، 8 سبتمبر 2008

المحور الثالث : المجتمع والسلطة

المحور الثالث : المجتمع والسلطة

إذا كان المجتمع يتوقف وجوده وبقاءه على مجموعة من المؤسسات كالقوانين والمدرسة، فان الفرد يؤسس تواجده الاجتماعي على أساس مؤسسة الدولة.
فكما ذهب تحليلا وتاريخيا هاربرت سبنسر على أن أصل الدولة والحكومة هو الخوف من الحياة هو العامل الأساسي الذي أدى عبر العصور إلى ظهور القول السياسي فالسلطة كما ذهب فلاسفة العقد الاجتماعي لا يبررها إلا السلطة السياسية فهي -أي الدولة- بما هي سلطة ومؤسسات خاضعة لمطالب الأفراد، وهي وسيلة تحقيق اكبر قدر من الحرية الفردية .فان الكثير منهم يؤسس لفكرة القهر انطلاق من تنازل الأفراد عن حقوقهم كاملة في سلطة ديكتاتورية وفردية قادرة على ممارسة القهر والقمع. يقول ماركس في هذا الصدد:" الدولة ليست تعبير عن الإرادة العامة، وإنما قوة تعلو على المجتمع،وهذه القوة إن كان أملها هو المجتمع إلا أنها تضع نفسها فوقه فتغترب عنه".

سيغموند فرويد :
يرى فرويد أن المجتمع يمارس نوعا من القهر الاجتماعي على الأفراد, من خلال آليات التنشئة الاجتماعية المتمثلة في التربية والبيئة, عن طريق تدخل النظام الأخلاقي,و يمارس قهرا على الفرد , الذي يميل إلى إثبات غرائزه فيحوله من كائن أناني إلى كائن منفتح على الأخر.
إن التدخل المفرط للمجتمع المتحضر في خصوصيات الأفراد . يخلق نوعا من التوتر والصراع النفسي لدى الفرد , على نحو غير متشدد . تجعله يقبل قيم المجتمع ويتخلى عن غرائزه. إذ يتسامى بها في الواقع بامتهان حرف وممارسة هوايات خلاقة ( الفن والقراءة و الرياضة...) لتعويض ما انتزعه المجتمع منه.
إن الشخص عندما يتخلى ويتنازل عن غرائزه لصالح المجتمع. يكون حسب فرويد شخصا منافقا يعيش نوعا من الاغتراب الذاتي. إذ يتخلى عن طبيعته الخاصة وينصهر في الذات الاجتماعية .

ألان تورين :
يتناول ألان تورين علاقة الفاعل بالمجتمع, على ليس بسابق على وجود الأفراد أو الفاعلين بل هو حدث لايتم إلا في إطار دائرة من الاحتكاكات و الصراعات والتفاعلات بين الأفراد.
فالمجتمع دينامية في شكليها : الماكرو والميكروسلطوية. إن النظام الاجتماعي لا يتم إلا في إطار أشكال الحركة والتفاعل و الفاهم والصراع بين الفاعلين الاجتماعيين و الذين يشكلون مفتاح فهم المجتمع. إن الفاعل الاجتماعي لايمكن أن نفهمه في ظل المجتمع, بل في ظل مجموع العلاقات , أو المواجهات القائمة بين فاعلين اجتماعيين. نفسها العلاقات والصراعات التي تنتج المجتمع .

رالف لينتون :
على العكس من ذلك يرى لينتون . أن الفرد الإنساني , يتلقى تعاليم مهيأة سلفا, هي ما يمنحه نماذج سلوكية تستجيب لحاجاته , خاصة الحاجات التي خلقها لديه الغير. إذ تبقى هذه النماذج تحيل الفرد إلى المشاركة والاندماج في الحياة الاجتماعية لإشباع حاجاته الخاصة . بل أكثر من ذلك التنشئة الاجتماعية تحتم على الفرد أن يتعلم الأكل لإشباع الجوع بطريقة مقبولة من لدن المجتمع و إرضاء باقي النماذج السائدة .

ما هي الفلسفة ؟

ما هي الفلسفة ؟

المحور الاول : اللغة الانسانية واشكال التواصل الحيواني

تمهيد : اللغة

ان عيش الانسان في اطار مجتمع يجعل من اللغة ضرورة حيوية تحقق التواصل بين افراد المجتمع فنحن بحاجة الى اللغة لانها تستجيب لطلب يومي وهي تعني لدى الحس المشترك فعل الكلام ويعتبر ان هذا الفعل يتوقف على مجموعة من الكلمات او الالفاظ التي يكتبها او ينطقها افراد مجتمع معين بحيث تصبح اللغة خزانا للكلمات بواسطتها يتواصل افراد المجتمع . غير انه يلاحظ ان التواصل الذي يتحقق بفضل اللغة يتم بوسائط اخرى غير الكلام كالحركات والايمائات الجسدية وان كان الكلام هو الحدث اللغوي الاكثر امتيازا نظرا لرتباطه بالتاسيس الاجتماعي للغة ولذلك اعتبر مفهوم اللغة من اكثر المفاهم التي اهتمت بها الفلسفة كما انها اصبحت موضوعا علميا يدرس ضمن مجالات متخصصة كالسانيات وداخل هذا الحقل ظهرت مجموعة من التميزات بين كل من اللغة , الكلام , اللسان . فاذا كان الكلام فعل فردي يفترد في الارادة والحرية فان اللسان منتوج اجتماعي يتأسس على مجموعة من التعاقدات التي تتم خارج ارادة الافراد وبهذا فاللغة تتضمن مفارقة فرغم كون الكلام فرديا غير انه لايتم الى من خلال استعمال اللسان باعتبار ان الفرد لايعيش الا في ايطار اجتماعي ومن هنا يظهر لنا ان مفهوم اللغة يضمن امام مجموعة من التقابلات تجعل منه مفهوما اشكاليا فهي من جهة نشاط فردي يفترد فيه الحرية والارادة ( الكلام ) ومن جهة اخرى هي نسق يلتزم به الافراد بشكل موضوعي وقسري ( اجباري ) وهي تعبير عنه في شكل معاني ودلالات ونتاج له في الوقت ذاته من هنا يمكن طرح الاسئلة التالية:
-هل تقتصر اللغة على فصل الكلام ام انها نسق تشمل حركات واشارات ورموز وهل يمكن اعتبار اشكال التواصل الحيواني لغة ام انها خاصية انسانية ؟
-هل يمكن ان نتصور وجودا للفكر استقلالا عن اللغة ام ان وجوده نتاج لها للغة ومتزامن معها ؟
-هل تقتصر وظيفة اللغة على التواصل والتعبير عن افكارنا في وضوح تام ام انها يمكن ان تتحول الى اداة قمع وسيطرة ؟ ومن اين تستمد اللغة قوتها على الزام الافراد هل من ذاتها ام سلطة القوانين الاجتماعية ؟

المحور الاول : اللغة الانسانية واشكال التواصل الحيواني

: الوضعية المشكلة
باعتبار الانسان كائن اجتماعي بانه يتواصل مع بني جنسه عبر اللغة فهل يمكن اعتبارها مقتصرة على فعل الكلام ام انها نسق يشمل الحركات والاشارات والرموز ؟ وهل يمكن اعتبارها خاصية انسانية ام انها مشتركة بين الانسان والحيوان خاصة وان نلاحظ اشكال تواصلية عند بعض الحيوانات

: موقف بينفست

الاشكالية : هل يمكن اعتبار العلاقة بين الانسان واشياء الطبيعة مباشرة وتلقائية ام انها تفترض وسيط وهو جهاز الرمزي ؟
اطروحة النص : يتميز الوجود الانساني على باقي الكائنات بحضور جهاز رمزي الذي هو بمثابة وسيط بين الانسان واشياء العالم الخارجي بحيث لاتكون له علاقة مباشرة بها
عناصر الاطروحة : تتميز اللغة بكونها تحمل مظهرين : مظهر مادي تتمثل في الادوات ومظهر لامادي يحيل على المدلولات التي تنتظم عبر التمفصل في لسان مشترك وتعبر عن الفكرة والاشياء
-ان السمة التي تبعد الانسان عن المجال الطبيعي هو امتلاكه الجهاز الرمزي الذي يشكل الوسيط بينه وبين العالم كذالك بينه وبين الانسان بحيث يتيح له التعبير عن الاشياء دون عناء التنقل

: موقف ديكارت
الاشكالية : هل يمكن اعتبار اللغة هي مجموعة اصوات صادرة عن الجهاز الصوتي ام انها تتجاوز ذالك لتكون لها علاقة بالفكر ؟ وهل يمكن اعتبار الاصوات الصادرة عن الحيوانات لغة ام انها خاصية انسانية ؟
اطروحة النص : اللغة خاصية انسانية تستلزم حضور الفكر لذالك يتم استبعاد الاصوات الحيوانية التي هي مجرد تعبير عن الانفعلات الغريزية .
عناصر الاطروحة : يختص الانسان بكونه يستعمل اللغة حتى في الحلات التي يعاني فيها النقص ( الصم - الجنون ) في مقابل الحيوان الذي يعجز عن استعمال اللغة بالرغم من استعداده للنطق ببعض الاصوات ( الببغاء )
-يستبعد ديكارت اللغة عن الحيوان نظرا لما يصدر عنه من مجرد انفعالات غريزية يعبر عنها بشكل تلقائي بينما اللغة الانسانية تعتمد على الفكر وهذا ما يجعلها تختص به

: خلاصة تركيبية
ما يصدر عن الحيوان هي اصوات وتعابير لا تندرج ضمن اللغة وان كانت تحقق التواصل عند بعض انواع الحيوانات في المقابل نجد اللغة لها ارتباط بالفكر وهذا مايجعل منها خاصية انسانية في حدود العلاقة.
بين كل من اللغة والفكر ؟ هل هناك اتصال ام انفصال ؟

الأحد، 7 سبتمبر 2008

المحور الثاني : اللغة والفكر

المحور الثاني : اللغة والفكر

يستطيع الإنسان بواسطة اللغة أن يتمثل الواقع في الذهن دونما حاجة للتقيد به، ويستطيع استحضاره في صورته وشكله الماديين والتفكير فيه دونما حاجة لاسترجاعه... وهذا ما يحيل إلى طبيعة العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر:
هل هي علاقة تبعية وتلازم؟ أم علاقة انفصال وقطيعة؟

إن الوقائع والملاحظات التي تدفع للاستنتاج بأن الفكر سابق ومستقل عن اللغة متعددة. فهناك من جهة تعدد الأنظمة الدالة بتعدد الألسن بل وتعدد أنساق العلامات التي يستخدمها الفرد الواحد للتعبير عن نفس الفكرة من حركات وإيماءات ورموز متنوعة مما يدفع إلى القول باستقلال الفكرة عن العبارة لإمكانية انفصال الفكرة عن علامة ما وارتباطها بأخرى: هناك إذن نوع من تعالي الفكر على أداته اللغوية، ومن جهة أخر يتبدى الفكر سابقا على اللغة عندما يبحث الإنسان طويلا عن كلمات مناسبة للتعبير عن فكرة ما. لهذه الأسباب يفترض الحس المشترك أننا نفكر أولا ثم نعبر ثانيا أي ننتقل بعد التفكير إلى إلباس أفكارنا بكلمات ملائمة.« L’homme pense sa parole avant de parler sa pensé » . وفي مثل هذه الحالة لن تكون الكلمات والجمل سوى أداة بعدية تساعد على إظهار منتوج عملية التفكير التي تتم قبل وبدون اللغة. وإذا كانت الكلمات والجمل ضرورية لتبليغ نتاج عملية التفكير للآخرين فإنها بالمقابل غير ضرورية لحدوث عملية التفكير ذاتها. هنا تحصل مقابلة أو معارضة الوظيفة المعرفية للفكر بالوظيفة التواصلية للغة.
يمكن أن نجد سندا لهذا الموقف عند ديكارت لا سيما في ثنائية النفس/الجسم: فالفكر لامادي مرتبط بالنفس بل هو طبيعتها المميزة لها، أما اللغة فتنتمي للجسم بسبب طبيعتها المادية (الأصوات، الكتابة...) ومن غير الممكن تصور علاقة اتصال بين هاتين الطبيعتين المتمايزتين، إلا أن تكون اللغة مجرد أداة أو وسيلة للتعبير عن الفكر القائم بذاته. لهذا ينعت مثل هذا التصور بالتصور الأداتي للغة. فإلى أي حد يصمد هذا التصور أمام النقد وإلى أي حد يعبر فعلا عن حقيقة العلاقة بين اللغة والفكر؟
توقف ميرلوبونتي عند هذه العلاقة الإشكالية بين اللغة والفكر مستخدما المنهج الفينومينولوجي المعتمد على وصف المعطيات المباشرة للوعي قبل تدخل النشاط الإدراكي التنظيمي للعقل، ليبين المآزق النظرية للتصور الأداتي الذي يعتبر اللغة والفكر كيانين متمايزين في حين أنهما سيرورتان متزامنتان. لا ينبغي على مستوى التعبير وصف اللغة بكونها علامة أو لباسا للفكر لما يفيده ذلك من اعتباطية العلاقة وانفصالهما كما ينفصل الدخان عن النار رغم كونه علامة عليها، والأجدر وصف اللغة بجسد الفكر أو شعاره لأن كلا منهما محتوى في الآخر: فالمعنى يؤخذ من الكلام؛ أو كما تقول اللسانيات البنيوية مع كريستيفا مثلا، فالمعنى لا يوجد خارج شبكة التقابلات والاختلافات التي تجمع بين الكلمات المنتمية لنسق لساني ما. بل إن الكلام يملك قوة للدلالة خاصة به، بدليل أن المعاني الجديدة تظهر دائما بمناسبة اشتقاق ألفاظ أو تراكيب أو تعابير جديدة كما يفعل الأدباء. إن فاعلية الإنسان الذهنية والمعرفية تتعامل مع الكلمات أكثر مما تتعامل مع الأفكار وإلا لماذا يتذكر الإنسان كلمات وجملا على نحو أيسر مما يتذكر أفكارا بل إن استدعاء هذه يتطلب أولا استدعاء تلك؟ وبعبارة أخرى فالكلام هو الوجود الخارجي للمعنى وحضور الفكر داخل العالم المحسوس مثلما أن الفكر هو التمظهر الداخلي للكلام، وليس التفكير الصامت كما يعتقد البعض، إنه بالأحرى ضجيج خافت من الكلمات. وهذا ما أكدته الدراسات العلمية الحديثة في مجال فيزيولوجيا الدماغ. لقد وجد أن الباحات المسؤولة عن الكلام تنشط (أي تصدر إشارات كهروميغناطيسية) حتى عندما يفكر المرء في صمت. هكذا ينتهي ميرلوبونتي إلى التوحيد بين اللغة والفكر باعتبارهما وجهان لنفس السيرورة المعرفية، رافضا التصورات الفلسفية القائمة على ثنائيات اللغة/الفكر أو الخارج/الداخل.
يؤكد ميرلوبونتي وحدة اللغة والفكر متسائلا: لماذا تكون الذات المفكرة نفسها في حالة عدم معرفة بأفكارها مادامت لم تعبر عنها ولو لذاتها؟ وبالتالي فالفكرة التي تكتفي بأن توجد بذاتها خارج نسيج الكلمات ستسقط في اللاوعي بمجرد ماتظهر. ومن ثم فنزوع الفكر نحو التعبير ليس نزوعا بعديا، بل هو نزوع صميمي نحو الوجود والاكتمال.
ويرى دوسوسير بأن الفكر بمعزل عن الكلمات لا يعدو أن يكون سديما أو عماءا ضبابيا أي كتلة غير متميزة. لذلك يتعذر التمييز بين فكرتين أو معنيين كالاحترام والتقديس مثلا دون الاستعانة بالوحدات اللسانية المقابلة لهما. مما يسمح بالقول إن الفكر كتلة متصلة ممتدة لا يمكن أن نتبين منه شيئا ما لم يتجزأ وينقسم وفق الوحدات اللسانية أي الكلمات، فهناك إذن علاقة جدلية، الفكر واللغة فيها أشبه بوجهي ورقة النقد لا يمكن تمزيق وجه دون المساس بالآخر. ثم ماذا لو سألنا أنفسنا : مالفكر؟ إنه ما تنتجه فعالية التفكير؟ وماالتفكير؟ إنه من الوظائف العليا للدماغ وهو مفهوم يجمع سيرورات جزئية كثيرة: كالتذكر والتحليل والتركيب والمقارنة والترتيب والتجميع والتمييز والربط والفصل...إلخ. ومن البين أن هذه السيرورات والعمليات المجردة غير ممكنة بدون أدوات رمزية هي الوحدات اللسانية.
كل ماسلف يؤكد العلاقة الجدلية وعلاقة التزامن لا الأسبقية بين اللغة والفكر. وقد عبرت عن ذلك اللغة اليونانية بأن أطلقت لفظة اللوغوس Logos على اللغة والعقل معا. ولكن هل تجيز هذه الدلائل الإسراع بإعلان أن حدود الفكر هي حدود اللغة ؟ وأنه حيث تتوقف هذه يتوقف ذاك؟
ينبغي التروي، إذ توجد دلائل أخرى كثيرة على امتداد الفكر خارج دائرة اللغة وأبعد من حدودها: منها لجوء العلماء إلى اصطناع لغات رمزية للتعبير عن العلاقات أو الوقائع التي يكتشفونها، ومنها تجاربنا الوجدانية التي تبلغ أحيانا من الخصوصية والحدة درجة يستحيل معها كل تعبير لغوي ، فيما يمدنا المتصوفة بدليل آخر من تجاربهم الروحية: فما يعيشونه من أحوال وما تحصل لهم من مشاهدات وما يبلغونه من مراتب إيمانية يتجاوز بكثير كل الإمكانت التعبيرية للغة المتداولة من هنا لجوؤهم إلى الرمزيات أو إحجامهم عن التعبير. لقد رد هنري برغسون عجز اللغة هذا إلى منشئها نفسه: فهي أصلا أداة ابتكرها العقل المنطقي المنشغل بالتعامل مع المادة والاستفادة منها عن طريق تجزيئها وإخضاعها للقياس وتصنيفها ضمن مقولات عامة، طلبا للانتفاع والمردودية، ولا يمكن لمثل هذه الأداة أن تعبر عما هو وجداني خاص متصل غير قابل للتجزؤ وغير منطقي بالضرورة، عن تيار متدفق صفته أنه متصل كيفي أو "ديمومة". يقول برغسون: "كل منا يحب ويكره بطريقته الخاصة، وهذا الحب والكراهية يعكسان شخصيته بكاملها. إلا أن اللغة ترمز إلى هاتين الحالتين بنفس الكلمات لدى كل الناس، فلا تعبر من ثم سوى عن الجانب الموضوعي اللاشخصي في الحب والكراهية وآلاف العواطف الأخرى". إن الكلمات لا تأتي فقط غير متوافقة بل ومتأخرة أيضا، ففي ذروة الألم لا يملك الإنسان غير الصياح فقط، ولا يتكلم عن الألم ليصفه، أو ليصف ذكرياته ومخلفاته إلا بعد هدوئه أو زواله، لذا يقول ألفونس دوديه: "لنتساءل في البداية عن مدى قدرة الكلمات عن التعبير عن الألم الحقيقي، إنها تأتي دائما متأخرة بعد أن يكون كل شيء قد عاد إلى سابق أوانه. إن الكلمات لا تعبر سوى عن ذكريات فهي إذن كاذبة عاجزة".
اللغة ليست مجرد أداة للتعبير عن فكر جاهز ومكتمل. إن التفكير والتعبير سيرورتان متزامنتان ومظهران لنفس الوظيفة المعرفية المميزة للإنسان، دون أن يعني ذلك قدرة اللغة على استنفاذ غنى الفكر وإمكاناته المتعددة.